«مغتصب المعتقلين» أو فرج فى فيلم الكرنك .. القصة الحقيقة
الفرق كبير بين من يكتب وهو يبحث عن الحقيقة.. أو يكتب ليوصل للناس ما اكتشفه من حقيقة.. ومثل هؤلاء الناس تهون عليهم الدنيا وما فيها مقابل كلمة صدق .. وبين من يكتب ليخفي الحقيقة.. أو يقدمها مبتورة فأنصاف الحقائق هى الكذب الأسود وهذا النوع بالغ الخطر.. لأن القارئ يأتمنه فلا يظنه خوان ، كذوب فيما يقدمه له.. أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ؛ فما ربحت تجارتهم المعطوبة !! والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى حتى أصبحت هى القاعدة ودونها استثناء ..
نعرض فى هذا البحث الحقيقة الكاملة وراء شائعة " العسكرى الأسود" من خلال الدوريات الصادرة فى ذلك العصر وشهادات الشهود ومن شارك فى صياغة الأكذوبة وصدقها لفترة من الزمن !!
شائعة " العسكرى الأسود" التى أختلقها خيال الإخوان المسلمون . ونجحوا فى تحويلها إلى قضية نظرتها محكمة الجنايات ولم يقدم الادعاء سنداً ولا مستندا سوى أقوال مرسلة افتقدت الدليل ، لتلطيخ صفحة ابراهيم باشا عبد الهادى رئيس وزراء مصر ( 28 ديسمبر 1948 ــ 25 يوليو 1949 ) وللإيهام بأن اعترافات شباب الإخوان عما ارتكبوه من جرائم جاءت وليدة الإكراه ؛ونشرت تفاصيل الافتراءات عبر صحيفة " الجمهور المصرى " التى تحوط بها شبهات كثيرة وبصاحبها ورئيس تحريرها ابو الخير نجيب والذى استغل فيها قلة خبرة اثنين من شباب الصحفيين أنذاك هما ابراهيم البعثى و سعد زغلول فؤاد بعد أن أغراهما بمجد صحفى زائف .
الشواهد كلها تؤكد أن حكاية " العسكرى الأسود " ، لا أساس لها من الصحة ؛ ولذا يجب أن نضعها فى مكانها الصحيح ضمن ملف الأكاذيب ، ونحن نعيد كتابة تاريخ مصر الحديث .
البداية :
فى نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضى ، كنت أخطو خطواتى الأولى فى بلاط صاحبة الجلالة ، تستهوينى قصص الأمجاد الصحفية وأحاديث " الخبطات الصحفية " ، وتلف خيالى الشاب أحلام وردية فى أن أصبح يوماً أحد فرسانها الذين ينالون مساحة من ذاكرة القارئ وحيزا من اهتمامه .
.. فى تلك الأيام ، وفى حديقة نقابة الصحفيين حيث كنا نلتف حول شيوخ المهنة يزاحم بعضنا بعض فى الجلوس إليهم والنهل من فيض خبراتهم ، سمعت بحكاية " العسكرى الأسود " ذلك العسكرى الذي كان يستخدمه البوليس السياسى فى حكومة ابراهيم باشا عبد الهادى ( 28 ديسمبر 1948 ــ 25 يوليو 1949 ) للاعتداء الجنسي على المتهمين الذين لا يعترفون على أنفسهم أو على غيرهم اعترافات باطلة. وكيف تبنت جريدة " الجمهور المصري" هذا الموضوع ؟ ، وكيف حملت على عاتقها كشف سر هذاالعسكرى.. وكيف جازف اثنان من محرريها هما الأستاذان ابراهيم البعثي وسعد زغلول وقاما برحلة يكتنفها الخطر، بعد أن أثبتت تحرياتهما أن هذا العسكرى قد سُرِّح من البوليس وأنه مقيم فى بلدته الأصلية "إدفو" بمحافظة أسوان ؟! .
.. وكيف استطاع هذان الصحفيان – بطريقتهما الخاصة – أن يلتقيا ما أسموه بـ "العسكرى الأسود " فى بلدته، ونشرت جريدة " الجمهور المصري" اسم هذا الشخص ومحل إقامته.. وبناء على ما نشر فى هذه الجريدة أمرت المحكمة النيابة بإحضاره لسماع أقواله باعتباره شاهداً.
.. بقدر الجزع من بشاعة الجريمة ، كان الانبهار بفروسية ومهنية هذين المحررين ، وذهبت إلى قسم المعلومات بدار الهلال ألتمس المزيد ، ولكنى لم أجد قصاصة واحدة تُساعدنى على الإمساك بطرف الخيط ، ولم أعثر فى أرشيف الصور على صورة واحدة للمتهم أو المدعين أو وقائع المحاكمة ، .. وأسقط فى يدى .. ، ونسيت الحكاية برمتها !!
وجـه .. لوجه مع
أبو الخير نجيب :
وفى عام 1982 بينما كنت أجلس فى حديقة النقابة ، لفت نظرى قيام الأستاذ فتحى رزق نائب رئيس تحرير الأخبار وعضو مجلس النقابة بالترحيب برجل فى السبعين يجلس تحت شجرة مانجو زرعها فى ركن الحديقة على يسار الداخل الأستاذ عبد الحميد الإسلامبولى ، ودفعنى الفضول إلى سؤال الأستاذ فتحى عن الرجل ؟
ــ أجاب الأستاذ فتحى : إنه أبو الخير نجيب .
طلبت من الأستاذ فتحى أن يعرفنى على الرجل ، فقدمنى إليه ، بعد حديث سادته روح المجاملة المتبادلة ، سألته عن حكاية " العسكرى الأسود " ، فرد بابتسامة لطيفة معتذراً عن عدم التذكر لمرور السنوات وضعف الذاكرة !!.
ملحوظتان :
1 ــ (إلا أن اللافت للانتباه ، انه عندما حضرت الزميلة الأستاذة الكبيرة سعاد منسى ، وبعد تحية أسقط فيها التكلف وبجرأة افتقدت الحياء ، أغرق معها فى حديث الذكريات تطرق فيه إلى أدق التفاصيل . )
2 ــ عندما أبديت استيائى للأستاذة الكبيرة سعاد منسى من الألفاظ واللغة التى يتداولها الرجل فى حديثه معها ، أجابت : مسكين أبو الخير ؛ السجن لحس عقله . )
.. بعد هذا اللقاء ، اقتصرت علاقتى بالرجل على إلقاء التحية من بعيد ، وفى 7 ابريل 1983 لقى الرجل وجه ربه فى حادث مأساوى ، فبينما كان خارجاً من النقابة يحمل كيس من لحم الجمعية الاستهلاكية وعلى بعد خطوات ، صدمته سيارة نقل عام ، واختلط لحم الرجل بلحم الجمعية .
الصدفة والحقيقة !!
ترسخ فى داخلى يقين ؛ أنه فى الأمر شيئاً ما !! وبنيت معتقدى على أنه : " إذا كان الأمر حقيقة ؛ فلماذا يغسل مكتشفوها أيديهم منها ؟!"
.. وقد صدق إحساسى ، ففى صباح أحد الأيام من شتاء 2010 وبينما أنا فى قاعة اطلاع دار الكتب والوثائق القومية ؛ بصدد الإعداد لكتابى " أخلاقيات الصورة الصحفية " ، وجدت بالصدفة خبراً صغيراً فى إحدى الدوريات عن " العسكرى الأسود " ، وما أن أمسكت طرف الخيط وطرقت باب البحث بالاطلاع على الدوريات والمراجع وبعض شهادات الذين عاصروا الواقعة ، حتى كانت المفاجأة التى جعلتنى أفرك عينى أمام هذا الكم الهائل من المعلومات والصور ، وكلها تؤكد أن حكاية " العسكرى الأسود " ، لا أساس لها من الصحة ؛ ولذا يجب أن نضعها فى مكانها الصحيح ضمن ملف الأكاذيب و " الفبركات الصحفية " ، ونحن نعيد كتابة تاريخ مصر الحديث .
كان من اللافت لإنتباهى أيضا ، أن كلا من إبراهيم البعثى وسعد زغلول فؤاد ، لم يعيدا ذكر هذه
حكومة ابراهيم عبد الهادى
تشكلت حكومة ابراهيم عبد الهادى على عجل بعد
مقتل النقراشى بساعات ، فى 28 ديسمبر 1948على يد عبد المجيد أحمد حسن أحد المنتمين للنظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين التى أصدر النقراشى قراراً بحلها فى نوفمبر 1948 . فلم يعجب هذا حسن البنا اختارته مجلة المصور " رجل العام " لعام 1945 بعد استفتاء القراء ، الذى راح يتصرف وكأنه ملك مصر القادم ، خاصة أن علاقته قد توطدت بعزيز المصرى الذين تجح فى ضم بعض ضباط الجيش إلى تنظيم الإخوان المسلمين ، وفى إطار لوّع الإخوان أصدر البنا عقب هذا الحدث بيانا استنكر فيها الحادث و"تبرأ" من فاعليه تحت عنوان "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"
واجهت الوزارة فى بداية تشكيلها موجات من أعمال الإرهاب تمثلت فى محاولة احد الشبان نسف دار محكمة الاستئناف بباب الخلق ، وذلك بوضع حقيبة متفجرات فى أحد ممرات المحكمة ، وشاء القدر ان تنفجر قبل وصول الموظفين والمتقاضين ، وضبط الجاني وكان ينتمي إلى جمعية الإخوان المسلمين ، وعلل جريمته بأنه كان يستهدف نسف مكتب النائب العام بما فيه من وثائق تدين بعض أعضاء الجمعية . كما تم الكشف عن عدد من الشقق المتناثرة فى أحياء القاهرة التى كان تنظيم الإخوان يستخدمها لإدارة عملياته وهى القضية المسماة إعلاميا " بقضية الأوكار " .
ومساء السبت 12 فبراير أطلق مجهول عدة أعيرة نارية على حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين بينما كان يغادر جمعية الشبان المسلمين ، وبعد ساعات فارق الحياة .
وإزاء هذا التيار الجارف من الإرهاب ؛استصدرت الوزارة من البرلمان قانونا بمد الأحكام العرفية سنة أخرى ، وأقر البرلمان القانون بحجة أن حالة الحرب في فلسطين ما تزال قائمة برغم عقد الهدنة في فبراير 1949.
وقد عنيت الوزارة بتوفير المواد الغذائية ومواد التموين وأبدت نشاطا ملحوظا فى مكافحة الغلاء، مما أدى إلى توافر السلع وخفض أسعارها، وزادت مقررات البترول ومقررات السكر، وآثرت مصلحة الجمهور على مصالح الشركات والرأسماليين مما ترتب عليه أن استهدفت الوزارة لحرب من بعض كبار الرأسماليين وسعيهم المتواصل لإسقاطها.
ووافق مجلس الوزراء على منح رجال التعليم ميزة تعليم أبنائهم بمصروفات مخفضة، ومنح المجانية فى جميع مراحل التعليم لأبناء شهداء فلسطين.
كما تقرر تسريح جميع صف ضباط وعساكر بلوكات نظام البوليس والسجون الذين أتموا 4 سنوات فأكثر بالخدمة الإلزامية على أن يجند غيرهم لدواعي الأمن.
ووافق على مذكرة رئاسة
الوزارة بإغلاق جميع بيوت الدعارة بمصر .
ورغم انجازات حكومة عبد الهادي فى مراعاة البعد الاجتماعى إلا أنها لم تراعى طبيعة الشخصية المصرية من خلال اتباعها لسياسة القسوة والضرب بقبضة الحديد والنار ضد حالة الانفلات التى تعيشها البلاد فى أعقاب الاغتيالات ومحاولة إشاعة الرهبة بين القضاة والنواب ورجال الدولة ( اغتيال القاضى الخازندار ـ قضية السيارة الجيب ـ قضية الأوكار ـ تفجير محكمة الاستناف ـ محاولة أغتيال حامد جودة رئيس مجلس النواب ) وهو ما جعل بعض القوى السياسية صاحبة المصلحة تتظاهر ضد الحكومة مرددة الهتاف الشهير : " عبد الهادي كلب الوادي! "
العسكرى الأسود
بدأت شائعة العسكرى الأسود بادعاء لم يثبت من عبد الفتاح ثروت ، أحد المتهمين فى قضية الأوكار أمام النيابة جاء فيه : " طالبوني فى البوليس السياسى بالاعتراف وهددوني إن لم أفعل أن يعتدوا علي اعتداءَ منكرا.. وفعلاً تقدم واحد يريد الاعتداء علي.. فقلت له: أنا أعرف أنني لا أستطيع مقاومتك. وأنت يمكنك أن تفعل معي هذه الجريمة. ويمكنك أن تنجو من عقاب القانون.. ولكني أريد أن أقول لك قبل أن تبدأ: إن الله لن يترك هذه الجريمة بلا حساب.. " .
.. ولأن الإخوان لا يتركوا لهم ثأرً وإن طال الزمن ، ففى عام 1951 ، أعادوا كذبة " العسكرى الأسود " وبإخراج مبتكر ووجوه جديدة !!
فى غرفة الانتظار :
فى غرفة الانتظار بمحكمة جنايات باب الخلق جلس " أمين النقيب " ، لم يكن متهما فقد أمرت المحكمة النيابة بإحضاره لسماع أقواله باعتباره شاهداً بناء على ما نشر فى جريدة " الجمهور المصرى " .
.. حضر الرجل مبكراً في صبيحة جلسة الأحد 10/5/1951 واسمه الخماسى " أمين محمد محمود موسي النقيب " شاب نوبى فارع القوام فى سن دون الثلاثين ، يضع على رأسه عمامة بيضاء كبيرة ويرتدى جلباب من الصوف . حضر الشاب فى سيارة سوداء يحيط به ثلاثة من جنود الحرس أدخلوه إلى غرفة الانتظار بالمحكمة .
طلب الشاب كوب من الشاى وأتبعه بكوب أخر ، ثم طلب فنجان من القهوة ، وعندما سأله أحد الموظفين عن حقيقة تهمته ، أجاب : " أسكت .. يا بيه عيب ، أنا راجل صعيدى ، معك مصحف وأنا أحلف لك عليه " .
وعندما التقط له مصور صحفى صورة قال : " وليه بس كده يا أفندى .. كفاية بهدلة وسمعة مش كويسة ، ده أنا بشتغل بناء فى الصعيد ، وبنا ممتاز كمان " .
فى قاعة المحاكمة :
فى قاعة المحكمة ، حاول بعض الحضور إرهاب " أمين النقيب " بالصراخ فى وجهه : " أنت جيت .. نهارك أسود زى وشك " ، لكنه لم يرد .
النص الكامل لشهادة " أمين النقيب":
.. فتحت الجلسة ، نادى الحاجب على أمين ، بعد أن
سألته المحكمة عن بياناته وقسم اليمين سألته المحكمة عن مدة وطبيعة عمله فى البوليس السياسى ؟
ــ أمين النقيب : فترة عملى فى المحافظة لم تزد على ستة شهور .. وعملى فى البوليس السياسى لم يكن يتعدى تقديم الشاى والقهوة لضباط القلم السياسى .
ــ رئيس المحكمة :
" كيف قابلت الأستاذين البعثي وزغلول ؟ "
ــ أمين النقيب :" هما جولى البلد وقالوا لى: يا أمين إن حيدر باشا عيزك فى خدمة ؛ لأنك رجل شهم وهو فى حاجة إلى رجل صعيدي زيك. " .
ــ رئيس المحكمة :
" .. وإيه الخدمة ؟ "
ــ أمين النقيب : " معرفش ."
ــ رئيس المحكمة :
" اسمع يا نقيب ، المتهمين قالوا عنك : إنك كنت عامل طلوقة فى المحافظة وأن البوليس السياسى كان بيأكلك ويسمنك علشان تعتدى على أعراض المتهمين وأنك كنت بتقول ده بلسانك "
ــ أمين النقيب : يا بيه ، أنا راجل صعيدى والصعيدى ما يعتديش على المسلمين ، والكلام ده محصلش، ثم أطرق قائلاً : " أعوذ بالله من الإنكار ".
ــ رئيس المحكمة :
" إنكار إيه ؟ " .
.. تدخل الأستاذ أحمد السادة المحامى للتوضيح : " الشاهد قصده يقول المنكر باللغة العربية فقال الإنكار . "
الشهود :
وطلب الدفاع من المحكمة أن تسمع أقوال سعد زغلول الصحفي فى جريدة " الجمهور المصري " فكان الموجود زميله بالجريدة الأستاذ البعثي، فسمعت المحكمة أقواله على سبيل الاستدلال ، قال: " إن زميلي سعد زغلول محاصر الآن بمنزل صديق له هو عبد الرحيم صدقي شقيق اليوزباشي مصطفى كمال صدقي . وقد عمد رجال البوليس إلى محاصرة زميلي حتى لا يحضر الجلسة ، ومنعوه من الخروج من المنزل بحجة أن أشقاء العسكرى الأسود ينوون قتله. ولازال أربعة من رجال البوليس السياسي يحاصرون المنزل حتى الآن.
وكانت المحكمة قد سألت أمين النقيب عن تاريخه فى البوليس وعن كيفية لقائه بالأستاذين البعثي وزغلول وعن كيفية حضوره
ــ المحكمة: هل ما ذكره الشاهد الآن هو ما حصل فى إدفو ؟
ــ البعثي: لا، هناك اختلافات كثيرة فى أقواله. أولاً، هذا العسكرى ظل فى المحافظة سنة لا ستة أشهر كما يقولون، ثم إنه لم يكن يعرف شيئاً عن القضية لدرجة أن أهالي بلدته جميعاً لا يعرفون أن اسمه هو ما نشر فى الجرائد؛ لأنه مشهور باسم أمين النقيب. وقد اهتديت فى البلدة على الشيخ ناظر المدرسة، لعلاقة سابقة بيننا، ولما سألتهم عن أمين قال عندنا أمين النقيب. فكلفته بإحضاره فى منزل أحد أقارب الشيخ. ولما حضر كنت متحيراً كيف أبدأ الكلام معه. وفجأة انطلق زميلي سعد زغلول وقال له: يا أمين إن حيدر باشا فى حاجة إليك؛ لأنك رجل شهم وهو فى حاجة إلى رجل صعيدي زيك.
ثم تحول الكلام إلى رجال القلم السياسي، ووجدت منه أنه يميل إلى ضُباط القلم السياسي ويعرف عنهم الكثير. حتى إنه يعرف أن الصاغ عشري نُقل إلى البحيرة. ولما سألته عمن كان معهم أثناء تعذيب الإخوان ذكر اسم مصطفى التركي (عسكري آخر من الفيوم) وإنه هو وذلك العسكرى كانا مكلفين بارتكاب جرائم تعذيب الإخوان.
ولما توغلنا فى الحديث ارتعش وبدت عليه علامات الاضطراب، والتفت إليَّ وقال: أنا عرفك مش كده؟ فقلت له أيوه أنا كنت أتردد على المحافظة أحياناً ومن هذا الوقت بدأ يتخوف ويتهرب من الحديث.
ــ وهنا ارتفع صوت أمين النقيب ونظر إلى الأستاذ البعثي وقال: أنا خفت منك؟ أنت يا سلام.. أمال كيف وصلتك المحطة وأنا خايف منك؟
ــ استأنف الأستاذ البعثي كلامه فقال: أنا سألت شخصاً فى البلد عن أمين فقال لي: إن أمين هذا عفريت، ده ينط على البيوت. وأي واحدة تعجبه فى البلد ينط عليها بالليل الساعة 12 منتصف الليل.
واستطرد يقول: أنا فهمت أثناء حديثي مع العسكرى فى بلدته أنه يكره الإخوان جداً وحاقد عليهم لأقصى حدود الحقد، وكان يسألني أثناء الحديث هل أحد من الإخوان يتهمني فى القضية، أنا على كل حال كنت عبد المأمور، أنا مالي، وإحنا فى الأول خالص لم نفعل شيء مع الإخوان وإنما فى الآخر الحقيقة نفذنا الأوامر، وعملنا فيهم كثير خالص.
وبعد قضاء هذه الفترة معه فى البلدة طلب منا بإلحاح أن ننام عنده ليلة فى البلدة، ولكنا تخوفنا جداً وآثرنا السفر، وودعنا هو حتى مغادرة القطار. وعند قيام القطار من المحطة نظر إليَّ وقال: إذا جرى لي حاجة تبقى أنت المسئول.. وقد نفدنا بعمرنا.
من هو
أبو الخير نجيب ؟
صحفى كثرت حوله الأقاويل وورد اسمه ضمن كشوف الصحفيين الذى حصلوا على مصاريف سرية فى عهد الملك فاروق وتمت محاكمته أمام محكمة الثورة وحكم علية بالسجن أشغال شاقة 15 سنة والتجريد من شرف المواطن.
.. وتم توحيه الاتهام إليه أنه في غضون سنة 1953 اتصل بجهات أجنبية تعمل ضد النظام الاجتماعي والسياسي القائم في البلاد بقصد معاونتها على تحقيق أهدافها.وفي غضون سنة 1953 و1954 عمد إلى الاتصال بطوائف العمال والطلبة وتحريضهم على التمرد والعصيان وامتهن الصحافة ولا يلتزم دستورها وأهدافها القومية ، وقد خرج من السجن بعد انقضاء مدة العقوبة فى 1966 .
نابغة المحتالين .. حافظ نجيب
الصحفى أبو الخير نجيب هو ابن حافظ نجيب الملقب بــ " نابغة المحتالين " الذى قدم صورة عن نفسه بخط يده فى كتابه " مغامرات حافظ نجيب " وهى صورة محتال ، قضى مرحلة من حياته مسجونًا فى جرائم النصب والاحتيال، متاجر بشبابه ، بارع فى نصب شباكه حول النساء وإيقاعهن فى براثنه والعيش من كدهن مسنودًا بدعمهن المادى والمعنوى ، فالأميرة الروسية فرنسكى هى التى أتاحت له الدراسة العسكرية فى فرنسا والتحاقه بالمخابرات الفرنسية ، ولما فشل فى المهمة الوحيدة التى أسندت إليه عاد إلى القاهرة بلا عمل ولا مأوى، ليعيش فى كنف الراقصة حميدة ويقيم معها بصفة دائمة، ويصاحب فى الوقت نفسه " ألكنسدرا فرينو" صاحبة مجلة «أنيس الجليس» والتى كانت على صلة قوية بالعائلة المالكة فى مصر، والتى اتهمته بسرقة أحد نياشينها .
وقد كشف صديقه السورى «جورج طنوس» عن أنه أهدى النيشان إلى الراقصة حميدة، كما كشف كثيرًا من حياته الماجنة فى كتاب أصدره عنه جعل عنوانه " نابغة المحتالين "، يحتوى على عديد من عمليات النصب التى مارسها حافظ حتى على " الحوذية" الذين تقدم ستة منهم فى يوم واحد ببلاغ إلى الشرطة ضده، فقد كان يركب الحنطور يلف به شوارع القاهرة بالساعات ثم ينزل أمام أحد المحلات أو المقاهى ذات البابين، فيدخل من باب ويخرج من الآخر دون أن يدفع الأجرة ، يذكر طنوس أيضًا أن حافظ سافر إلى دمياط سنة 1904 وادعى أنه السكرتير الأول لسفارة فرنسا بالقاهرة ونصب على أحد الشعراء وحصل منه على مبلغ كبير، كما نصب على أحد رؤساء الأديرة التى دخلها بوصفه راهبًا واستولى من الرجل على ستمائة جنيه وهو مبلغ ضخم بمعايير ذلك الزمن، كما أن هروبه إلى دير المحرق واختفاءه فيه وتنكره فى زى راهب لم يكن بدوافع وطنية أو بسبب مطاردة الجنود الإنجليز، وإنما بسبب جرائم النصب التى اتهمته فيها بنات الهوى وراقصات المقاهى العامة!
مذكرات حافظ نجيب تنتهى فى يناير عام 1908 . ويدعى فيها أنه دخل الدير بترتيب مع أحد الزعامات الوطنية الكبيرة متنكرًا فى زى الراهب غالى جرجس، ويحكى فيها واقعة دفنه حيا ثم تحطيمه جدار القبر بأدوات كان وضعها إلى جواره سلفًا ، ليظهر بعد ذلك بزى آخر واسم آخر ويتزوج من الكونتيسة الإسبانية رائعة الجمال " سيجريس" ، إننا أمام خيال مبدع تتشابك عنده الحدود الفاصلة بين الحقيقى والمتخيل إلى حد مذهل، وخصوصًا أن حافظ نجيب كتب شعرًا وترجم كتابين فى الفلسفة وكتب مغامرات على شاكلة مغامرات أرسين لوبين جعل عنوانها (مغامرات حافظ نجيب ) .
0 comments:
إرسال تعليق